نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإصلاح الحقيقي يبدأ فقط من قانون الانتخاب - شبكة أطلس سبورت, اليوم الاثنين 17 مارس 2025 11:59 صباحاً
شبكة أطلس سبورت - الدكتور هاني عانوتي*
قبل كتابة هذه السطور، وبعد أن تكررت كلمتا "إصلاح" و"إنقاذ" في العديد من خطابات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عند التكليف وبعد التأليف، فتحت المعجم من أجل معرفة المعنى الفعلي للكلمتين. فهذه العبارات غالباً ما استعملت من الأحزاب والحكومات والعهود السابقة حتى أصبحت جزءاً من الخطاب السياسي اليومي في واحدة من أكثر الدول فساداً.
يُعرّف المعجم العربي “الإصلاح” بأنه “جعل الشيء صالحاً أو أفضل مما كان عليه، وإزالة الفساد، وتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، أما كلمة “إنقاذ”، فيعرّفها بأنها “التخليص من خطر أو المساعدة في التحرر من وضع صعب”. وهكذا، فإن للكلمتين معنى واضحاً لا لبس فيه، ولا يحتملان التأويل، خصوصاً أنهما كانتا في صلب عنوان رئيس الحكومة.
للإصلاح رجالات وقرارت ومواقف شجاعة. هكذا كانت تجربتنا الوحيدة في الإصلاح خلال حكم الرئيس فؤاد شهاب. أما "الإصلاح" ما بعد اتفاق الطائف فهو مختلف، بحيث استخدم هذا المصطلح أداة سياسية وانتخابية، حتى أصبح الإصلاح ومكافحة الفساد هدف جميع الأحزاب التي شاركت في السلطة منذ انتهاء الحرب الأهلية، وكاد أن يصبح مشروعاً لكل الحكومات والوزراء والعهود والتغييرين والطامحين وإلى ما لا نهاية من انتهازيين.
السؤال الكبير اليوم لتحقيق الإصلاح والإنقاذ في ظل وجود رئيس جمهورية قوي ورئيس حكومة قادر، وفي ظل المتغيرات في موازين القوى الداخلية والخارجية التي تصب في مصلحة الفريق الذي يدّعي الإصلاح، مع دعم دولي وعربي غير مسبوق، هو: ما هي خريطة الطريق المعتمدة من المعنيين لتنفيذ الإصلاح والإنقاذ؟ وما هي الأولويات، علماً أن الدولة مهترئة والفساد مستشري في كل المؤسسات والقطاعات؟ فمن أين نبدأ؟
إن التجربة مع الإصلاح والإنقاذ لم تكن مشجعة إطلاقاً في ظل الوعود الفارغة التي أُطلقت في الماضي. وحتى الآن، لم يقل لنا أحد من المسؤولين ما هي خططهم، خصوصاً في ظل واقع سياسي داخلي معقد ولعبة مؤسسات تحكمها منذ عقود منظومة كانت هي السبب في الفساد وتدمير المؤسسات.
إذا كنا واقعيين ومنطقيين، فإننا يجب أن نبدأ من الأساس، أي من تغيير قواعد اللعبة السياسية، التي تتمثل في إصلاح قانون الانتخاب مدخلاً أساسياً للإصلاح السياسي والاقتصادي والمؤسساتي والأمني والثقافي وغيرها.هناك عوامل عديدة لتفشي الفساد وانهيار المؤسسات في لبنان، لكن أبرزها وأكثرها تأثيراً هي قوانين الانتخابات التي أنتجت منذ اتفاق الطائف إلى يومنا هذا منظومة سياسية فاسدة وسارقة، ودولة عميقة تسيطر على كل مفاصل الدولة والحكم، من أكبر موظفي الدولة إلى أصغرهم. إضافة إلى ذلك، هناك شبكة عميقة من المصالح بين القطاع العام والخاص، بخاصة المصارف. لذا، لن يكون “الإصلاح” الذي نطمح إليه ممكناً في ظل قانون الانتخاب الحالي، المفصل على قياس الزعامات السياسية الحاكمة والأحزاب.
الأولوية اليوم هي لقانون انتخاب قادر على إنتاج البرلمان اللبناني والحياة السياسية بعيداً من الفساد والمحسوبيات والزبائنية. فجميع نواب الأمة اليوم، من دون استثناء، يفتقدون صفة المشرع أو البرلماني أو حتى رجال الدولة. وهذا ما يفقد الحكومة رونقها وفعاليتها، لأنها في النهاية مرآة البرلمان والزعامات والأحزاب.فلا التغييريون أصحاب خبرة أو عمل إصلاحي، ولا نواب الزعامات والأحزاب لهم الحق في الإصلاح، فهم وأحزابهم السبب في التخلف والفقر والفساد وسرقة أموال المودعين وانهيار مؤسسات الدولة. أما النواب التغييريون الحاليون فهم نواب وسائل التواصل الاجتماعي، والبهورات الإعلامية، والاستعراضات. ومع كل الضخ الإعلامي، فشلوا في طرح قوانين إصلاحية أو حتى في محاسبة أصحاب البنوك أو الحاكم السابق أو الحالي لمصرف لبنان عن سرقة أموال المودعين.
من هنا، مهما كانت الحكومة مبنية على كفاءات، فإذا لم تواكب ببرلمان يضم مشرعين عصريين مختلفين عن الطبقة السياسية الحالية، قادرين على التشريع والمحاسبة والاستجواب والتدقيق، فإن جميع قراراتها المصيرية ستظل حبراً على ورق بسبب سيطرة المنظومة على مفاصل القرار.
من غير المقبول أن يكون الجاني ومرتكب الجريمة هو نفسه القاضي والوصي على الحق. من غير المنطقي أن يكون من شرّع السرقة والفساد والتعديات، واستباح المؤسسات، وعطّل عمل القضاء، وأغرق الدولة في التعيينات الحزبية من حراس الأحراج إلى المديرين العامين، وغطّى انفجار المرفأ، أن يفتح ملفاته، ويحاسب نفسه، ويعيد الأموال التي نهبها، ويغيّر القوانين لمصلحة غيره، ثم يقوم بالإصلاح أو حتى يُسهل مهمة رئيس الحكومة ويمنح رئيس الجمهورية لقب الرئيس المنقذ الإصلاحي.
إن البلد بحاجة إلى تعيينات لا تعكس في الوضع القائم نفوذ الأحزاب والمجموعات الفاسدة التي أوصلت البلد إلى ما نحن عليه اليوم. والتعيينات أولوية، ولكن إذا خيّرنا بين التعيينات في ظل التركيبة الحالية الفاسدة أو التعيينات بعد الانتخابات مهما كانت النتيجة، فعلينا التوجه حتماً إلى الخيار الثاني. فكل موظف يتم تعيينه من خارج الطبقة والمنظومة الفاسدة هو المدماك الأول للإصلاح والمسمار الأول في نعش الفساد والمنظومة أضف إلى ذلك، أن هناك ما يقارب العام وبضعة أشهر تفصلنا عن الانتخابات النيابية، وعملياً ستكون الحكومة بعد أقل من سنة منغمسة في التحضير لهذه الانتخابات التي ستكون مفصلية.
الإصلاح المرجو والذي يطلبه اللبنانيون طريقه طويل، على الأقل كما صرح رئيس الوزراء نواف سلام. طريق الإصلاح بحاجة إلى قوانين وآليات ودراسات وتحقيقات في الإهدار والفساد. كما يحتاج إلى خطة متكاملة ومدروسة ثلاثية البعد تشمل القوانين والمؤسسات والأفراد والهيئات الناظمة. فأين المنطق في إطلاق الوعود وإيهام الناس بينما عمر الحكومة قصير جداً مقارنة بالوعود؟ لا أرغب في التصويب على العهد ولا على رئيس الحكومة ذي الخبرة العالية والشهادات الرفيعة. ولكن دخوله المعترك السياسي في أدق ظرف يمر به البلد، وخصوصاً في مواجهة هذا الكم الهائل من التحديات، يتطلب منه مواجهة المنظومة وليس الدخول فيها. لمواجهتها، يجب إضعافها، ولإضعافها عليه، وعلى رئيس الجمهورية، إصلاح القانون الانتخابي. فلا يمكن تأليف حكومة إصلاحية على قاعدة المحاصصة المتبعة في كل حكومات الفساد السابقة. فإذا كان التأليف خطأ، فكيف تكون الحال مع الإصلاح؟ الإصلاح هو قرار وإرادة، وليس مفاوضات على الحقائب أو الأسماء وهنا أيضاً يقع على عاتق رئيس الجمهورية الضغط لإصلاح الخلل في القانون الانتخابي والشروع بعدها في مفاوضات للإصلاحات الدستورية الضرورية لتمكين عمل مؤسسات الدولة بشكل فعال. ومن ثم تُفتح ورشة الإصلاح الكبرى التي يتمناها جميع اللبنانيين، ونتجه حينها نحو الدولة العصرية. فالدستور ليس مقدساً، وللدستور هيبته واحترامه، ولا يمكن تعديله من أجل الأشخاص، ولكن يجب تعديله من أجل الأوطان وازدهارها، وخصوصاً عند الضرورة.العالم من حولنا يتغير. سوريا قد تغيرت، وأصبح التدخل الدولي يدخل من بابها الواسع. غزة، ورغم قساوة المشهد، تنتظرها إعادة إعمار وازدهار. والخليج العربي أصبح في الصدارة، ونحن ما زلنا عالقين في لعبة سياسية عقيمة مبنية على الفساد والدجل السياسي.
إنها فرصتنا الوحيدة للتغيير، ومفتاحها الوحيد هو قانون انتخاب جديد، وبرلمان جديد، وتعديلات دستورية واسعة لتفعيل عمل المؤسسات والانتظام السياسي، ومن ثم الإصلاح.إنها نصيحة الأقلية الصادقة التي تريد حقاً لهذا البلد الصغير أن يصبح ما يستحقه له ولشعبه ومحيطه، بعيداً من الشعبوية والتصفيق والسياسة.
إنها فرصتنا الأخيرة لبناء الدولة في ظل أوضاع جيوسياسية مخيفة، وفي ظل رئيس جمهورية قوي ورئيس حكومة قادر إذا أراد. راجياً ألا نصل إلى مرحلة “كان بدنا وما خلونا”.
*أستاذ جامعي وباحث في سياسات الشرق الاوسط
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية
0 تعليق