نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا وتجاوز ثنائيّة الأكثريّة والأقليّة! - شبكة أطلس سبورت, اليوم الاثنين 17 مارس 2025 06:28 صباحاً
شبكة أطلس سبورت - لا يزالُ مفهوم "المواطنة" ملتبساً في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية، كون هذه المجتمعات لا تزال في حالة هجينة، لم تنتقل فيها تماماً إلى الدولة الوطنية الحديثة الناجزة، رغم أن عدداً منها مرت عليه عقود طويلة على الاستقلال، وجزء رئيس من هذا الخلل يعود إلى المنظومة المعرفية الهشة التي شُيدت عليها الأنظمة أو السياسات.
ثمة مفاهيم فلسفية أساسية تدخل في حقل "الفلسفة السياسية"، وهي بمثابة القاعدة الصلبة التي تشيد عليها مؤسسات الدولة، وتوزع وتفصل من خلالها السلطات، وتنتظم العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وأيضاً تُشكل الإطار المفاهيمي للدستور.
"المواطنة الشاملة" هي واحدة من أهم تلك المفاهيم، وهي إذ تحضرُ اليوم في الفضاء العربي – الإسلامي، فهي لا تُطل بوصفها قيمة ترفية، بل ركن ركين من دونه لا يمكن لمدماك الدولة الوطنية أن يستقر.
من تابع الأحداث الدموية والمواجهات العسكرية وعمليات التمرد والقتل والانتقام التي جرت في الساحل السوري، أخيراً، وراح ضحيتها أبرياء ومدنيون كثر - من دون الدخول في الجدل السياسي والغرق في وحول الإشاعات والمعلومات المضللة التي تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي - سيجد أن ما جرى يشير إلى قصور في فهم معنى "المواطنة" وإدراك كنهِها لدى شريحة واسعة من السياسيين والجمهور العام!
"المواطنة الشاملة" تعني في أبسط صورها أن الأفراد والجماعات في أي دولة، هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وأنه لا يجوز التمييز بينهم لأسباب عرقية أو دينية أو مناطقية، وهم بذلك لهم الحق في الحصول على فرصٍ متساوية، سواء في التعليم أم في العمل أم في الطبابة وسواها، وأيضاً يستطيعون التعبير عن ذواتهم الخاصة أو الجمعية، بشكل حرٍ ومن دون إكراهات.
هذا يقودنا بالتالي إلى أمرٍ يتجاوز المفهوم السائد لـ"الحقوق"، والقائم على تصورٍ منقوصٍ لـ"الديموقراطية" التي يتصور البعض أنها تعني حكم الأكثرية، وبالتالي يحق لهذه الأكثرية أن تضع ما تشاء من قوانين طالما كان ذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها، وبقوة تصويت الأغلبية وتأييدها!
هذه النزعة فيها شيء من الاستعلاء وأيضاً يشوب ممارستها خللٌ كبير، لأنها سوف تنتهك مفهوم "المواطنة الشاملة" الذي يتجاوز التقسيمات القديمة: أكثرية وأقلية.
هذا التقسيم، يخلق تقابلاً يدفع نحو الصراع، وهو يتجاوز المنافسة السياسية إلى المناكفة وفرض ثقافة أعلى على أخرى أدنى!
وعليه، من الممكن أن يقود تقابلُ "الأكثرية" و"الأقلية" إلى تعميق القلق الاجتماعي وزرع بذور الريبة والشك المتبادل.
إن المجتمعات الحديثة في أوروبا على سبيل المثال، بنيت على مفهوم "المواطنة الشاملة"، وبالتالي تم تجاوز الثنائيات المتصارعة، لأن الجميع مواطنون، لهم هوياتهم الفرعية الخاصة، ولهم الحق في إبراز ثقافاتهم ومعتقداتهم، إنما ليس هنالك حق لأكثرية أن تضطهد أكثرية، ولا يمكن للأقلية أيضاً أن تتمرد على الأغلبية، لأن "المواطنة" تجعل المكونات المتجاورة محكومة بـ"القانون العادل" وتحت سقف الدولة المدنية.
سوريا اليوم بحاجة لأن تتجاوز فكرة ثنائية: العربي والكردي، المسلم والمسيحي، السني والشيعي، وأن لا تنظر إلى الدروز والعلويين كأقليات، بل على الدولة الوطنية أن تكون حاضنة للجميع، قادرة على تقديم خطاب وطني ترى فيه كل هذه المكونات ذاتها من دون انتقاص أو تضخم، ويفتح الطريق أمام بناء الدولة الحديثة وتنميتها.
هنالك واقعٌ صعب ومعقد في مجتمع عانى من حكم استبدادي طوال عقود خلت، وهو لا يزال لم يتداو من جراح الأحداث الدامية ما بعد عام 2011 وما جرته من مجازر وحروب أهلية؛ إلا أن هذا الإرث الثقيل من الوجع والعذابات يجب أن يكون حافزاً لبناء "مواطنة حقيقية" لا صورية، وأن يدرك الجميع أن الدم والثأر والكراهية والانتقام، كل هذه هي وصفات جاهزة للخراب الذي سيكون الجميع فيه خاسرون.
هذا الوعي المفاهيمي لا يمكن أن يحصل بين عشية وضحاها، بل لا بد من أن تبادر الدولة السورية والمجتمع المدني والقيادات الروحية والسياسية والمثقفين إلى بثِ روح وطنية واعية، تتسامى على الجراح، وتتجاوز الثنائيات المتجادلة والمتصادمة، وتذهب إلى مشاركة حقيقية في بناء الدولة وفق مشاريع عملية طموحة؛ و"المواطنة الشاملة" هي مفتاح رئيس لهذا التحول الذي ينشده السوريون وتتمناه لهم الدول والشعوب الصديقة.
أخبار متعلقة :